الوطن (قصة قصيرة)
كانت هناك عصفورتان صغيرتان رقيقتان تعيشان في بقعة من أرض الحجاز شديدة الحرّ قليلة الماء، وفي أحد الأيّام بينما كانتا تتجاذبان أطراف الحديث وتشكيان لبعضهما صعوبة ظروف الحياة، هبّت عليهما نسمة ريح عليلة آتية من أرض اليمن، فسعدت العصفورتان بهذه النسمة وأخذتا تزقزقان نشوة بالنسيم العليل، وعندما رأت نسمة الريح العصفورتين الجميلتين تقفان على غصن بسيط من شجرة وحيدة في المنطقة، استغربت من أمرهما وقالت: "أيتها العصفورتان الجميلتان، عجباً لأمركما، فكيف تَقبلان وأنتما بهذا الحسن وهذه الرقّة أن تعيشا في أرض مقفرة كهذه؟ لو شئتما لحملتكما معي وأخذتكما إلى اليمن من حيث أتيت، فهناك المياه عذبة باردة، طعمها ألذّ من العسل، والحبوب تكاد لحلاوة طعمها أن تكون سكّراً، وإن أخذتما بنصيحتي، وعدتكما أن نكون هناك خلال وقت قصير جدّاً، فما قولكما؟"[٤] قامت العصفورة الأذكى بين الاثنتين وأجابت بفطنة وبداهة: "يا نسمة الريح، أنت ترتحلين كل يوم من مكان إلى مكان، وتنتقلين من أرض إلى أرض، وذلك يجعلك لا تدركين معنى أن يكون للواحد منّا وطن يحبّه، فارحلي أيّتها النسمة مشكورةً، فنحن لن نبدّل أرضاً ولو كانت جنّة على الأرض بوطننا ولو كانت الأجواء فيه قاسية والطعام فيه شحيح